سمارا (بالروسية Самара ) هي سادس أكبر المدن الروسية وإحدى أكثر مناطق روسيا تطوراً من الناحيتين الاقتصادية والثقافية. وتقع المدينة في جنوب شرق الجزء الأوروبي من روسيا الاتحادية وهي العاصمة الإدارية للكيان الفدرالي الروسي “سمارا أوبلاست”. ويبلغ عدد سكانها نحو 1.2 مليوناً. ويعود تاريخ تأسيس المدينة إلى عام 1586 حيث كانت مجرد حصن في بادئ الأمر. وتعتبر مدينة سمارة ذات أهمية كبيرة حيث توجد بها مصانع السيارات والآلات والفضاء والألومنيوم والكيماويات والنفط. وتقع المدينة على ضفاف نهر الفولجا، وتحولت من مقر لتطوير وصناعة الأسلحة في عهد الاتحاد السوفياتي إلى مركز للتعليم والبحث العلمي المتطور اليوم.
وكان نهر الفولجا أحد أبرز أسرار تطور مدينة سمارا الساحرة التي كانت ومنذ نشأتها ملجأً للقراصنة وحصناً منيعاً في وجه الغزاة ثم أصبحت مركزاً للنقل على مر القرون. وتغيّر اسم المدينة خلال الحقبة السوفيتية من سمارا إلى كيبيشيف وتحولت إلى مصنع ضخم للأسلحة، فضلاً عن كونها قاعدة فضاء تابعة للطيران السوفيتي. وفي وقتنا الحالي، تنتشر العديد من المعالم البارزة في جميع أنحاء هذه المدينة الصناعية المذهلة، والتي تخلّد أبرز المحطات التاريخية التي رسمت الملامح المعاصرة لـ”سمارا”.
حقبة العصور الوسطى
قبل تأسيس روسيا للمدينة، كانت المنطقة تعج بقراصنة النهر حتى منتصف القرن السادس عشر، حيث كان انحناء نهر الفولجا (حيث تم تأسيس سامارا) بين جبال تشيجولي يوفر مكاناً مناسباً للقراصنة للمراقبة والاستطلاع، حيث كانوا يعبرون من النهر إلى الجبل عند التحضير لكمائنهم. كما وفّرت هذه الجبال عدداً لايحصى من مخابئ القراصنة التي كانوا يلجؤون إليها هرباً من الاعتقال، والتي يمكن زيارتها اليوم بسهولة على متن العبّارات ورؤية مساكن قرية شيريافا الجميلة.
سمارا الحصن
تأسست سمارا رسمياً عام 1586 لتكون مدينة محصنّة ومصممة خصيصاً لحماية حدود الإمبراطورية من قبائل البدو وخاصةً القبائل المغولية والتركية والتترية المتواجدة في منطقة الفولجا. وفي أوائل القرن السابع عشر، تم إنشاء مكتب للجمارك في المدينة التي كانت تقع على الحدود آنذاك، الأمر الذي ساهم في جعلها ميناءً هاماً ومركزاً للنقل، كما أصبح نهر الفولجا ممراً حيوياً للسفر التجاري والصناعي والتنقلات الخاصة، وأصبحت معه سامارا محطة رئيسية للمسافرين في جميع الرحلات. وفي وقتنا الحالي، تحولت ضفاف نهر الفولجا الرملية المترامية إلى شاطئ رملي داخلي في قلب المدينة حيث يستمتع السكان المحليون بأجواء فصل الصيف الرائعة بعد ذوبان ثلوج الشتاء.
تأسيس مصنع تشيجولي
قام الأرستقراطي النمساوي ورجل الأعمال ألفريد فون فولكانو بتأسيس مصنع تشيجولي في عام 1881، ليصبح مصنع الجعة الأكثر شهرة في العهد السوفيتي. وفي البداية تم الترويج لهذه الجعة باعتبارها “جعة على طراز فيينا”، ولكن تم تغيير الاسم ليعكس المثل العليا للدولة بعد سيطرة البلاشفة على المدينة والمصنع خلال الثورة الروسية في عام 1917. ومازال مصنع بيرة تشيجولي إلى اليوم مفتوحاً أمام الزوار حيث يمكنهم الاستمتاع بالمشروب داخل المبنى التاريخي المذهل على ضفاف نهر الفولجا، كما يمكنهم إحضار زجاجاتهم الخاصة لملئها مباشرة من براميل المصنع.
ساحة كيبيشيف
بدأت سمارا حقبة جديدة تحت حكم الدولة السوفيتية بعد أن سقطت على يد القوات السوفيتية في عام 1918 خلال الثورة الروسية، وحملت المدينة اسم ساحة كيبيشيف تيمناً بالزعيم البلشفي فاليريان كيبيشيف الذي فرّ من سلطة الإمبراطورية الروسية حتى اندلاع الثورة. وحرض على قيام ثورات محلية في سان بطرسبرج وخاركوف وفولوغدا، ثم انتقل إلى سمارا في عام 1917 وأصبح رئيس الحزب السوفيتي المحلي، وتم تسميت الساحة المركزية باسمه، وهي واحدة من أكبر الساحات في العالم، وستقام فيها مهرجانات كأس العالم 2018.
فن العمارة الأرستقراطي من القرن العشرين
عاش في سمارا في مطلع القرن العشرين العديد من التجار الأثرياء والعائلات الميسورة الذين تأثروا بفن العمارة الحديث والتصاميم المشهورة في ذلك الوقت، وصمد الكثير من هذه المباني لما بعد العهد السوفيتي، وعلى سبيل المثال، تحول قصر ألكسي بوستروم، زوج والدة ألكسي تولستوي، أحد الكتّاب المشهورين في روسيا وليس المقصود الكاتب تولستوي صاحب رواية الحرب والسلام الشهيرة، إلى متحف حديث، وكذلك بقيت آثار المنزل الريفي للفنان كونستانتين غولوفكين لتزيد من سحر المدينة.
عاصمة روسيا الثانية
تحولت سمارا (كيبيشيف لاحقاً) إلى جانب المدن الشرقية الأخرى خلال الحرب العالمية الثانية أو مايعرف في روسيا بالحرب الوطنية العظمى إلى مركز صناعي جديد، حيث تم نقل المصانع الروسية من المدن الغربية وخاصةً من موسكو وسان بطرسبرج إلى سمارا لإنقاذها من الغزو الألماني وضمان استمرار الإنتاج فيها. وجرى التخطيط لجعل كيبيشيف عاصمة روسيا الجديدة في حال سقطت موسكو، وقام ستالين كجزء من هذا المخطط ببناء مخبأ أعمق وأكبر من مخبأ هتلر، يمتد تحت كامل المدينة ليستخدمه في حال الحاجة ولكنه لم يضطر لاستخدامه.
المدينة المغلقة
كانت سمارا خلال العهد السوفيتي مدينة مغلقة، وكان دخولها يقتصر على السكان المحليين والموظفين المصرح لهم فقط. ولقد لعبت المدينة دوراً رئيسياً خلال الحرب العالمية الثانية في إمداد الدولة الروسية بالسلاح لأنها كانت مركزاً لتصنيع الأسلحة والطائرات الحربية والذخيرة، وأصبحت في ذلك الوقت الدرع الصاروخي للبلاد. بالإضافة إلى ذلك، كانت سمارا مركزاً لاستكشاف الفضاء، وتم فيها تطوير صاروخ فوستوك، وهو المركبة الفضائية التي أطلقت أول رجل (يوري جاجارين) إلى الفضاء. وتخليداً لهذه الذكرى، تم إنشاء نموذج حقيقي لهذا الصاروخ وتم وضعه أمام متحف سمارا للفضاء، والذي يعد من أجمل التماثيل الملحمية في روسيا.
المصدر: The Culture Trip